يعود الباحثون مجدداً إلى الحديث عن فوائد الأنظمة التقليدية للتغذية المعتدلة التي يشتهر بها سكان مناطق البحر الأبيض المتوسط، وإلى الحديث عن وسائل غذائية لخفض احتمالات الإصابة بأمراض الرئة التي قد تطال المدخنين، كإحدى تداعيات ممارسة عادتهم السيئة صحياً، أو قد تطال غيرهم لأسباب شتى. وفي هذا الشأن يقول الباحثون من فرنسا إن الإكثار من تناول الفواكه والخضار والحبوب غير المُقشرة والأسماك، هو إحدى السبل الكفيلة بخفض خطورة ظهور أمراض ضيق الشعب الهوائية المزمن في الرئة. وتحديدا، تشير نتائجهم التي تم بثها في أواسط هذا الشهر من النسخة الإلكترونية لمجلة القفص الصدري البريطانية، إلى أن الخفض الإيجابي قد يتجاوز نسبة 50% من تلك الاحتمالات لمخاطر الإصابات الرئوية المرضية ليس فقط لدى المدخنين، بل لدى غير المدخنين أيضاً. لكنهم في نفس الوقت قالوا بأن ذكر تلك الإيجابيات لتناول الفواكه والخضار لا يعني البتة إضاءة الضوء الأخضر للتمادي في ممارسة عادة التدخين سيئة الذكر.
* الغذاء وآثار التدخين وتعتبر تداعيات الاستمرار في تدخين لفائف التبغ على الرئة، أحد أهم الآثار السلبية العديدة لهذه العادة غير الصحية. وتُمثل حالة مرض الرئة الانسدادي المزمن COPD اجتماع مرضين رئويين بالغي الضرر على الرئة من نواحي البنية والوظيفة، وبالغي الضرر على سلامة حياة الإنسان وقدراته على العيش بطريقة مُمكنة. وهما مرض التهاب الشعب الهوائية المزمن chronic bronchitis ومرض الانتفاخ الرئوي emphysema، لأنهما مرضان ينجم عنهما نشوء حالة مرضية تجمع بين أضرار كل منهما، ليُصبح بالتالي ثمة انسداداً مزمنا ومستمراً ومتزايداً طوال الوقت لسهولة وانسيابية جريان هواء التنفس داخل الرئة، وخاصة احتباسه في داخلها وعدم قدرته على الخروج منها.
وتشير التوقعات الصحية العالمية إلى أن هذا المرض سيغدو السبب الرئيسي الثالث للوفيات على مستوى العالم أجمع بحلول عام 2020. أما على مستوى الواقع اليوم فإن الإحصائيات من الولايات المتحدة تشير إلى أن نسبة الإصابة بهذا المرض الرئوي المزمن في الانسداد، قد ارتفعت منذ بدايات الثمانينات وحتى السنوات القليلة الماضية بنسبة تتجاوز 40%. ويلعب التدخين الدور الرئيسي في نشوئه، حيث أن من بين حوالي 16 مليون أميركي مُصابين به، فإن أكثر من 80% ممن يموتون من جرائه هم من المدخنين. وهذا الأمر يعني أن على المدخنين التوقف عن ممارسة تلك العادة المُؤذية. وهو ما يُمثل أول رسالة يجب إعلام المدخنين بها عند قراءة مثل هذه الدراسة. ويقول الدكتور رافائللي فاراسو، الباحث الفرنسي في الدراسة، إن أول رسالة للناس هي أن يتوقف المدخنون عن الاستمرار فيه. ثم أن تناول الأغذية الغنية بالخضار والفواكه والأسماك والحبوب الكاملة ربما يُخفض من خطورة احتمالات الإصابة بمرض الرئة الانسدادي المزمن.
وإذا كان تناول الأغذية الصحية يمنع الآثار السلبية للتدخين على الرئة، فإن تناول أغذية غير صحية ربما تكون له آثار عكسية ضارة ليزيد الأمر سوءاً بالتالي. ولذا قال الدكتور فارسو إن تناول المدخنين والذين أقلعوا عنه لأطعمة كالحبوب المُصفاة من القشورالمفيدة، واللحوم الحمراء والحلويات والبطاطا المقلية، سيزيد من مخاطر ظهور الإصابة بحالة مرض الرئة ألانسدادي المزمن.
* دراسة مميزة وكان الباحثون الفرنسيون قد تابعوا المعلومات المتعلقة بحوالي 43 ألف رجل تتراوح أعمارهم ما بين 40 و75 سنة، ممن شملتهم دراسة متابعة أميركية بدأت منذ عام 1968. وتم خلال تلك المدة إجراء إعادة تقيم كل سنتين. وشمل ذلك التقييم معلومات عن سلوكيات نمط الحياة، التي شملت التغذية والتدخين وممارسة الرياضة البدنية والنواحي المرضية. وتم على وجه الخصوص تقييم جوانب التغذية بشكل مفصل مرة كل أربع سنوات. وعليه، تم جدولة نوعية التغذية التي يتناولها المشاركون وفق تصنيفات عدة. وتشمل وجبات غنية بالفواكه، والخضار، والحبوب الكاملة غير المقشرة، والأسماك. وهي ما صنفت فئة تناول تغذية شعوب البحر الأبيض المتوسط، أو وجبات تغذية غنية بالمنتجات الغذائية المُصنعة، كالسكر المُكرر واللحوم الحمراء الدسمة وغيرها مما تمتاز به الوجبات الغذائية الغربية المعتادة والمعروفة. ولاحظ الباحثون أنه خلال عشر سنوات من المتابعة، فإن منْ تناولوا وجبات البحر المتوسط كانوا أقل بنسبة 50% في إصابتهم بمرض الرئة الانسدادي المزمن. هذا بالمقارنة مع منْ تناولوا وجبات غربية معتادة. وذلك بغض النظر عن مقدار العمر أو حتى عن ممارسة عادة التدخين.
وهذا أهم ما تبين من الدراسة، وهو أن نشوء حالة مرض الرئة الانسدادي المزمن ربما له صلة بنوعية التغذية. وبخلاف الدراسات التي تحدثت عن دور تلك النوعية من التغذية الغربية المعتادة في رفع احتمالات الإصابة بأمراض القلب والشرايين أو أمراض السرطان، فإن الجديد هو الربط بين أمراض الرئة المزمنة وبين نوعية التغذية السيئة صحياً أيضاً. وفي معرض التعليق من أهم الهيئات المعنية بصحة الرئة وأمراضها، وافق الدكتور نورمان إيدلمان، كبير الأطباء في الرابطة الأميركية للرئة، على أهمية هذه النتائج وانسجامها مع مؤشرات علمية سابقة تناولتها بالملاحظة. وقال إن هذه النتائج تنسجم مع نتائج أخرى. وفي ما يبدو أن نوعية التغذية مرتبطة بشكوك حول ارتفاع الإصابات بأمراض أجهزة متعددة في الجسم، ومن بينها الرئة على وجه الخصوص. * الرئة والغذاء.. علاقة تتضح معالمها يوما بعد يوم > الواقع أن النظرة الطبية اليوم بدأت بالتوسع حول فهم وإدراك علاقة نوعية الغذاء بأمراض الرئة عموماً. ولم يعد بالتالي لتلك النظرة السابقة في عدم وثوق العلاقة بينهما أي وجود. والدراسة الحديثة تأتي لتُضاف إلى دراسات سابقة تناولت علاقة الربو، كأحد الأمراض الرئوية المزمنة، بالغذاء. وهو ما سبق لملحق الصحة بـ«الشرق الأوسط» الحديث عنه في عدد 4 أغسطس (آب) 2005. والحاجة إلى التغذية الصحية بالنسبة لمرضى الربو تنبع من أن التغذية الصحية بشكل عام تحقق سد نقص أي من العناصر الغذائية الهامة للنمو ولعمل أعضاء الجسم بكفاءة خاصة الجهاز التنفسي. كما أنها تزيد من مناعة الجسم، لأن الربو وتداعياته المرتبطة بالتهابات الجهاز التنفسي تحتاج الى مناعة سليمة، كذلك تنبع من محاولة تجنب تناول المنتجات الغذائية المثيرة للحساسية لدى المرضى، وأيضاً من محاولات تقليل الآثار الجانبية للأدوية التي يتناولها مرضى الربو. وهذا ما يتحقق من خلال تناول السوائل بكمية كافية، وتناول الخضار والفواكه الطازجة واللحوم والأسماك والبقول والحبوب الكاملة المحتوية على المعادن والفيتامينات والأملاح، وتقليل الدهون لتخفيف الوزن، وتقليل الملح. ومحصلة لهذا الغذاء الصحي هي وزن طبيعي وجسم يملك حاجته الحيوية من الفيتامينات والمعادن والأملاح، وجهاز مناعة على درجة عالية من الكفاءة. أما في نوبات الربو، فيستحسن شرب الماء أو السوائل بكمية كافية لكي تصبح إفرازات الجهاز التنفسي أكثر ليونة. وبالتالي يسهل على المريض إخراجها مع البلغم، لأن الجفاف يزيد من حدة نوبات الربو. والجفاف بالأصل هو ما يحصل أثناء نوبات الربو عبر خروج الماء من الجسم بكثرة من خلال التنفس والعرق. كما تتأكد الحاجة في مرحلة النقاهة، بعد نوبات الربو وحصول التهابات الجهاز التنفسي، إلى الغذاء الصحي ليسترد المرء عافيته. وعلى وجه الخصوص، فإن السمنة والإكثار من تناول الملح وقلة تناول زيت السمك، عبر عدم تناول الأسماك، وقلة تناول عنصر الكالسيوم، عوامل تزيد الأمر سوءاً على مرضى الربو. وعلى سبيل المثال فإن الاهتمام بالكالسيوم لدى مرضى الربو يحتاج إلى عناية خاصة، لأن نقص الكالسيوم يزيد من حساسية عضلات الشعب الهوائية وفي ضيقها، ما يجعل من الصعب علاج نوبات الربو إذا حصلت. ولأن نقص كالسيوم العظام يُمكن أن يحصل كأثر جانبي لتناول أحد أهم أدوية الربو وهو الكورتزون، الذي إما أن يستنشقه المريض كمسحوق بشكل يومي، أو يتناوله أثناء علاج نوبات الربو كحبوب أو عبر الوريد بكميات عالية. وهذا ما يفرض الاهتمام بتناول المنتجات الغذائية عالية المحتوى من الكالسيوم كمشتقات الألبان والأسماك والحبوب